حدوته.. الموهبة وحدها لا تصنع المجد
في عالم الفن، الموهبة نعمة، لكنها لا تكفي وحدها لبناء مجد حقيقي أو لترك بصمة خالدة. مؤخرًا، خرج علينا مصطفى حدوته، شاعر المهرجانات المعروف، بتصريح مثير للجدل قال فيه إن النجم الكبير عمرو دياب قد غنى من كلماته، ثم أردف بثقة مفرطة: “مفيش شاعر في مصر أحسن مني”.
قد يرى البعض أن الثقة بالنفس أمر إيجابي، لكنها تتحول بسهولة إلى غرور حين تتجاهل تاريخ وقامات سبقتك بعشرات السنين في هذا المجال. فالشعر الغنائي المصري زاخر بأسماء لامعة مثل حسين السيد، ومرسي جميل عزيز، وعبدالرحمن الأبنودي، وبهاء الدين محمد، وغيرهم من العمالقة الذين كتبوا أعظم الأغاني التي شكلت وجدان أجيال كاملة. هؤلاء لم يعلنوا يومًا أنهم “الأفضل”، بل تركوا الجمهور والنقاد هم من يصنعون أسطورتهم.
حدوته ربما يملك القدرة على كتابة كلمات جذابة لجمهور المهرجانات، وربما حقق نجاحًا على منصات الاستماع، لكن النجاح اللحظي يختلف كثيرًا عن المجد الفني الذي يُبنى على تراكم التجارب، واحترام القيم الفنية، والتواضع أمام الكبار.
إن تصريحاته الأخيرة تكشف عن مشكلة منتشرة في جيل صناع المحتوى والموسيقى السريعة: الرغبة في خطف الأضواء عبر التصريحات النارية بدلًا من ترك الفن يتحدث عن نفسه. فالجمهور، بطبعه، لا ينساق وراء الغرور طويلاً، بل يبحث عن الموهبة الحقيقية التي تلامس وجدانه.
ومن المؤسف أن نرى شاعرًا شابًا يمتلك فرصة حقيقية لإثبات نفسه، لكنه يختار طريق “الضجة” بدلاً من طريق “القيمة”. فالتاريخ علمنا أن الكلمة الخالدة لا تحتاج إلى إعلان صاحبها أنه الأفضل، بل تبقى في القلوب بفضل صدقها وعمقها، لا بفضل غرور صاحبها.
ختامًا، يا حدوته، إذا كنت تؤمن حقًا بموهبتك، فدع أعمالك تتحدث عنك، ودع الجمهور يضعك في المكانة التي تستحقها. فالاحترام ليس مجرد لقب، بل إرث تبنيه على مدار الزمن، والتواضع أمام الكبار لا يقلل منك، بل يزيدك عظمة.