يُقدّم مسلسل “فقرة الساحر” تجربة درامية مختلفة تمزج بين الإثارة النفسية، والفن الرفيع في صناعة الاحتيال، ضمن إطار عصري يعكس تطورًا لافتًا في أسلوب الكتابة والإخراج.
العمل من تأليف إياد صالح، وإخراج تامر محسن، بمساعدة كريم العدل، ومن إنتاج طارق الجنايني، في تحالف إبداعي ثلاثي شكّل نواة متكاملة من الانسجام المهني بين التأليف، والإخراج، والإنتاج، ما انعكس بوضوح على جودة المسلسل وتميّزه.
رغم أن موضوع النصب والاحتيال قد طُرح مرارًا في الدراما، إلا أن “فقرة الساحر” أعاد تقديمه من زاوية جديدة تجمع بين البُعد الإنساني والتقني، ليكون أقرب إلى مبارزة ذهنية أخلاقية، تستند إلى الحبكة المحكمة والأسلوب البصري الذكي.
شخصيات تجمعها المودة رغم الاحتيال
تدور القصة حول ثلاثة أصدقاء منذ الطفولة، يشكلون معًا عصابة احتيال على درجة عالية من المهارة والاحتراف. ما يميز هؤلاء الأبطال ليس فقط براعتهم في تنفيذ عملياتهم، بل أيضًا العلاقة العميقة بينهم، التي تتجاوز الخلافات والمصالح، مجسدين المقولة الشهيرة:
“الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.”
هذا التماسك في العلاقة بين الشخصيات يُعد امتدادًا طبيعيًا للانسجام الإبداعي الذي جمع فريق العمل خلف الكواليس، ما أضفى على المسلسل صدقًا ملحوظًا وتفاعلاً تلقائيًا بين العناصر الدرامية.
دراما بنَفَس عصري ولذة في “التعادل الأخلاقي”
واحدة من أبرز نقاط قوة العمل هي أنه لا يُقدّم شخصيات شريرة بالمطلق، بل يرسم خريطة معقدة من الأخلاقيات الرمادية، حيث يجد المشاهد نفسه متعاطفًا مع المحتالين أحيانًا، متفهمًا دوافعهم، بل ويترقب نجاحهم في خداع خصومهم.
ينتهي المسلسل بحالة من “التعادل الأخلاقي”، حيث لا يوجد منتصر واضح، بل تظل الحقيقة مفتوحة للتأويل، مما يُضفي على العمل نكهة فلسفية محببة تطرح تساؤلات عن النية، والخداع، والعدالة، والولاء.
“فقرة الساحر” ليس مجرد مسلسل عن الاحتيال، بل هو رحلة في عمق النفس البشرية، وسجال بين العقل والقلب، من خلال عمل درامي متقن الصنع يستحق التوقف عنده طويلًا.